متابعات علمية

المقاومة الشعبية في الشاوية

متابعة: زكرياء عريف- مروان حمريط- عمر العزري- أميمة الناصر

في سياق تفعيل أدوار المثقف والباحث والمؤرخ تجاه التواريخ المحلية التي تحمل الأثر الفعلي والمستمر في حياة المواطنين وتُترجم في القيم والمواطنة والذاكرة الجمعية، وأيضا تجاه البادية وكل الهوامش التي كانت دائما مصدرا للفخر في الدفاع عن الثغور وأيضا فضاء لصون العلم، مثلما كانت مصدرا للأمن الغذائي، وتفعيلا لأنشطة الحياة المدرسية وانفتاح المؤسسات التربوية على محيطها وترسيخا لأهمية البعد الثقافي في المناهج التربوية.

في هذا السياق، نُظم يومه الأربعاء 30 أبريل 2025 ابتداء من الساعة العاشرة صباحا  بالمذاكرة، بمنطقة أحلاف- بنسليمان، في رحاب الثانوية التأهيلية علال بن عبد الله-أحلاف- مديرية بنسليمان، وبتنسيق مع جمعية آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بالمؤسسة وبتعاون مع جمعية الأحمر بنمنصور للثقافة والتنمية والبيئة وبإشراف علمي لمختبر السرديات والخطابات الثقافية ومشاركة تنظيمية من أعضاء نادي المهارات الحياتية والتثقيف بالنظير -نُظم- لقاء ثقافي في موضوع:المقاومة الشعبية في الشاوية، وذلك بمناسبة تسمية أحد أجنحة المؤسسة الحاضنة باسم المجاهد الأحمر بنمنصور، واحتفاء بدوره في الجهاد والمقاومة الشعبية خلال سنتي 1907 و1908.

وقد شارك في هذا اللقاء الذي نسق أشغاله الدكتور شعيب حليفي الباحث والروائي ومنسق مختبر السرديات والخطابات الثقافية بكلية الآداب بنمسيك- البيضاء، المؤرخون: الدكتور محمد معروف الدفالي والدكتور نور الدين فردي والدكتور صالح شكاك، وتميز بحضور نخبة من الشخصيات الرسمية والمنتخبة، وثلة من المثقفين والمهتمين بالتاريخ المحلي، وتلاميذ السنة الثانية باكلوريا.

استُهل اللقاء برفع الستار عن لوحة الأحمر بنمنصور، الذييعد رمزًا خالدًا للمقاومة الشعبية في الشاوية، تلاه افتتاح رسمي بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، في استحضارٍ للقيم الروحية التي ظلت تغذي إرادة المقاومين عبر الزمن. ثم قام الحضور بأداء تحية العلم، معبرين عن اعتزازهم بتاريخ نضال أجدادهم وتضحياتهم العظيمة. 

بعد ذلك، أُلقيت مجموعة من الكلمات الافتتاحية من الجهات المنظمة التي أبرزت أهمية هذا اللقاء ودوره في إحياء وحفظ الذاكرة الوطنية والإرث التاريخي المحلي والجهوي، حيث أكدت السيدة المديرة الإقليمية لبنسليمان الأستاذة أسماء حيدي على أهمية توثيق تاريخ المقاومة الشعبية ونقله للأجيال القادمة لضمان استمرارية الوعي الوطني. من جهته، شدد السيد مدير المؤسسة الأستاذ مولاي العربي الأنوار الإدريسي على دور المؤسسات التعليمية في تعميق فهم الطلاب لتاريخهم النضالي عبر تنظيم مثل هذه الفعاليات الثقافية. كما أكدت السيدة رئيسة جماعة أحلاف السيدة شيماء زايد على ضرورة دعم الأنشطة التاريخية التي تعكس الإرث النضالي للمنطقة، بينما دعا السيد رئيس جمعية آباء وأمهات وأولياء التلاميذ السيد بلقاسم ناصر إلى تعزيز مشاركة التلاميذ في مثل هذه اللقاءات لترسيخ الهوية الوطنية لديهم. واختتمت الكلمات الرسمية بتدخل السيد رئيس جمعية الأحمر بنمنصور للثقافة والتنمية والبيئة السيد عبد الهادي بنمنصور ، الذي سلط الضوء على أهمية الثقافة في الحفاظ على التراث التاريخي للمنطقة، مبرزا في هذا الصدد أهمية الإرث التاريخي الذي جسده المجاهد الأحمر بنمنصور .

كما اشتمل اللقاء على مجموعة من المداخلات العلمية التي قدمها نخبة من الباحثين والمؤرخين، حيث تمت مناقشة المقاومة الشعبية في الشاوية من زوايا متعددة: 

– الدكتور محمد معروف الدفالي تناول في مداخلته الموسومة ب: “حول المقاومة الشعبية في الشاوية” السياق التاريخي للكفاح الوطني، مسلطًا الضوء على دور المقاومة الشعبية وتأثيرها في مسار التحرر، متحدثا بالخصوص على ثورة الشاوية والمساندة الشعبية التي لقيتها على المستويين الداخلي والخارجي ؛ إذ أن صدى ثورة الشاوية أثر  في نفوس سكان الدار البيضاء خصوصا وسكان المغرب عموما، كما لقيت هذه الثورة صدى خارجيا تمثل في كتابة الصحافة المصرية آنذاك عنها، كما أبرز مدير مجلة أمل للتاريخ والثقافة والمجتمع علاقة ثورة الشاوية بثورة السلطان مولاي عبد الحفيظ ودعم قبائل الشاوية له، مبرزا أن فرنسا لم تعترف بالطابع السياسي لثورة الشاوية واعتبرتها مجرد فوضى، مؤكدا في الختام ضرورة الاستمرار في الاحتفاء بهؤلاء الرموز -على غرار الأحمر بنمنصور- ليس من أجل الافتخار بهم فقط وإنما  بقصد الاقتداء بهم في الدفاع عن الوطن.

أما مداخلة الدكتور صالح شكاك التي اختار لها عنوان: “المذاكرة: تفاعل الإنسان والمجال” فقد ركّز من خلالها على العلاقة بين الجغرافيا وسلوكيات المقاومة، موضحًا كيف لعبت العوامل الطبيعية دورًا حاسمًا في صمود المقاومين، مؤكدا خصوصية مقاومة الشاوية باعتبارها أول مقاومة واجهت المستعمر من المحيط، وكانت تنطلق من المناطق السهلية (مناطق مفتوحة)، وقدم في الأخير معطيات اقتصادية مهمة عن قبيلة المذاكرة ما بين 1910 و1927.

وكانت المداخلة الثالثة للدكتور نور الدين فردي بعنوان: “دور الأحمر بنمنصور في المقاومة الشعبية في الشاوية“، أكد من خلالها على أن بناء الهوية الوطنية لا يتم إلا بالرجوع للتاريخ، مبرزا محاولة الفرنسيين تخريب الذاكرة الوطنية(مثلا تحويل عبيدات الرمى من الطابع المقاوم إلى الطابع الفرجوي)، وفي سياق حديثه عن المجاهد الأحمر بنمنصور أبرز  العديد من الخصال الإنسانية التي كان يتميز بها، ومنها: الحكمة والتفكير، كراهيته للظلم والذي تمثل في عدم انخراطه في نزاعات القبائل المجاورة، ولا حتى بين المخزن والقبائل ، مستواه العلمي( كان شخصا متعلما)،  وضعه الاجتماعي(كان ينتمي إلى عائلة ميسورة)..، كما أبرز مواقف هذا المجاهد ومن أهمها استماتته في مقاومة المستعمر الفرنسي و رفضه وضع السلاح.

وأخيرا، اختُتم اللقاء بتوزيع شهادات تقديرية على المشاركين والجهات المنظمة، اعترافًا بمساهماتهم القيمة في إثراء هذا الحدث الثقافي والعلمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
error: Content is protected !!